السبي البابلي والفرس
بعد وفاة سليمان عليه السلام ضعفت الدولة وتفككت إلى مملكتين متصارعتين؛ مملكة شمالية (إسرائيل) عاصمتها شكيم، ومملكة جنوبية (يهوذا) وعاصمتها أورشاليم.وكان اليهود في حينها قد انحرفوا بعيداً عن عقيدتهم، وساد الظلم وأشكال المفاسد دولتيهم، وأخذ الصراع ما بين الدولتين يستنزف بقية ما تبقى من أسباب القوة، وبعد مناوشات طويلة تمكَّن الأشوريون من تدمير مملكة الشمال في القرن السابع قبل الميلاد، وصمدت مملكة الجنوب قليلاً ثم ما لبثت أن سقطت في يد البابليين في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، لتصبح مدينة القدس تحت حكم البابليين الذين نفوا اليهود خارج المدينة، واتخذوهم سبايا نحو بابل، ودمّروا المسجد الاقصى الذي أعاد سليمان بناءه تدميراً كاملاً وفق المصادر التوراتية، ويشير كتاب التلمود اليهودي أن السبي البابلي كان عقاباً لليهود على "كثرة ذنوب بني اسرائيل وتفاقمها حتى فاقت حدود ما يطيقه الإله الأعظم".
ثم ما لبثت دولة فارس أن غزت دولة البابليين، وبسطت سيطرتها على مملكتها ومن بينها مدينة القدس، وسمح الملك (قورش) الفارسي لليهود الموجودين في بابل بالعودة إلى القدس إن شاؤوا، فرجعت أعداد قليلة منهم وفقاً للمصادر التوراتية، أما الغالبية العظمى فلم تهاجر، لأنها فضلت البقاء في بابل عاصمة الرخاء الاقتصادي والثروات في ذلك الزمان، تاركين مدينتهم المقدسة وراء أطماع المال.
تشير المصادر التوراتية إلى النخبة القليلة من اليهود الذين عادوا إلى القدس، وتقول أنهم عكفوا هناك على إعادة بناء معبد سليمان الذي دمّره البابليون على يد (نبوخذ نصر) إبَّان السبي، ويُشار إلى أن الفارسيين كانوا في ذلك الزمان متسامحين مع اليهود بالمقارنة مع البابليين ، وسمحوا لهم بأداء طقوسهم الدينية في القدس، مُفردين لهم ثلاثين كيلومتراً من مساحة المدينة، ليحكموها حكماً ذاتياً يدين بالولاء لدولة فارس، مقابل السماح لليهود بالعبادة.