الرئيسية
قالت دنيا زاد: يا أختي أتمي لنا حديثك عن التاجر والعفريت
فقالت لها حبا وكرامة فى مولاى . بلغنى ايها الملك السعيد ذو الراى الرشيد انه لما فرغ الشيوخ مما قالوا
برء دمه من قتل ابن الحنى واقبل على الشيوخ فهنوه ورجع كل منهم الى بلده وسكتت
فقال الملك وماذا بعد ذلك قالت الا احدثك باعجب من ذلك فقال لها اوا يوجد اعجب من ذلك قالت نعم حكاية الصياد مع العفريت فقال لها حدثينى حدثينى
فقالت بلغنى ايها الملك السعيد ذو الراى الرشيد انه
كان هناك رجل صياد طاعناً في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال وكان من عادته أنه يرمي شبكته كل يوم أربع مرات لا غير فخرج يوماً من الأيام في وقت الظهر إلى شاطئ البحر وحط معطفه ورمى شبكته إلى أن استقرت في الماء ثم جمع خيطانها فوجدها ثقيلة فجذبها فلم يقدر على ذلك فذهب بالطرف إلى البر ودق وتداً وربطها فيه ثم غطس في الماء وأخذ يعالج فيها حتى أطلعها فوجد فيها حماراً ميتاً فلما رأى ذلك حزن وقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أن هذا الرزق عجيب وأنشد يقول:
يا خائضاً في ظلام الله والهـلـكة ****** أقصر عنك فليس الرزق بالحركة
ثم خلصه من الشبكة وعصرها، و نشرها وبعد ذلك نزل البحر، وقال بسم الله ورماها حتى استقرت ثم جذبها فثقلت ورسخت أكثر من الأول فظن أنه سمك فربط الشبكة وفعل كما سبق إلى أن خلصها وأطلعها إلى البر فوجد فيها زيراً ملآن برمل وطين فلما رأى ذلك تأسف وأنشد قول الشاعر:
ياحـرقة الـدهـر كــفـــي إن لـم تـكـفـي فـعـفـــي
فلا يحـظــى أعـــطـــي ولا يصـنـعـه كـــفـــي
خرجـت أطـلــب رزقـــي وجـدت رزقـي تــوفـــي
كم جاهل في ظهور وعالم متخفي
و رمى الزير وعصر شبكته ونظفها واستغفر الله وعاد إلى البحر ثالث مرة ورمى الشبكة وصبر عليها حتى أستقرت وجذبها فوجد فيها شفافة وقوارير فأنشد قول الشاعر:
هو الرزق لا حل لديك ولا ربط **** ولا قلم يجدي عليك ولا خـط
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم أنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا ورمى الشبكة في البحر وصبر إلى أن أستقرت وقام بجذبها ولكنها علقت بالارض فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ونزل الماء وعالج فيها وخرج بها الى البر فوجد فيها قمقما (أبريق) من نحاس أصفر ملآن وفمه مختوم برصاص عليه طبع خاتم سليمان.
فلما رآه الصياد فرح وقال: أبيعه في سوق النحاس فإنه يساوي عشرة دنانير ذهبا واخذ يحركه فوجده ثقيلا فقال: أفتحه وأنظر ما فيه وابيعه هو فى سوق النحاس فأخرج سكينا، وفك الرصاص من فم القمقم وحطه على الارض وهزه لينزل ما فيهولكن لم ينزل شيئ بل خرج منه دخان صعد إلى السماء حتى اصبح كالغمام وتعجب الصياد من تكامل الدخان، ثم اجتمع ثم انتفض فصار عفريتاً رأسه في السحاب ورجلاه في التراب برأس كالقبة وأيدي كالمداري ورجلين كالصواري، وفم كالمغارة، وأسنان كالحجارة وعينين كالسراجين، أشعث أغبر.
فلما رأى الصياد ذلك العفريت ارتعدت فرائصه وتشبكت أسنانه، فلما رآه العفريت قال لا إله إلا الله سليمان نبي الله، ثم قال العفريت: يا نبي الله لا تقتلني فإني لا عدت أخالف لك قولاً وأعصي لك أمراً، فقال له الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله، وسليمان مات من مدة ألف وثمانمائة سنة، ونحن في آخر الزمان فما قصتك
فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني فقال بقتلك في هذه الساعة أشر القتلات
فقال الصياد لأي شيء تقتلني وأي شيء يوجب قتلي وقد خلصتك من القمقم ونجيتك من قرار البحر، وأطلعتك إلى البر فقال العفريت: تمن علي أي موتة تموتها
فقال الصياد ما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك.
فقال العفريت اعلم أني من الجن المارقين، وقد عصيت سليمان بن داود فأرسل لي وزيره آصف ابن برخيا فأتى بي مكرهاً وقادني إليه وأنا ذليل وأوقفني بين يديه فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت فحبسنى فى هذا القمقم (ابريق) وختم علي بالرصاص وطبعه بالاسم الأعظم، وأمر الجن فألقوني في وسط البحر فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كل من خلصني أغنيته إلى الأبد فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد، ودخلت مائة أخرى فقلت من يخلصنى اتيت له بكنوز الدنيا فلم يخلصني أحد فمرت علي أربعمائة عام أخرى فقلت كل من خلصني أقضي له ثلاث حاجات فلم يخلصني أحد فغضبت غضباً شديداً
وقلت في نفسي كل من خلصني في هذه الساعة قتلته ومنيته كيف يموت وها أنك قد خلصتني ومنيتك كيف تموت. فلما سمع الصياد كلام العفريت قال:اعف عن قتلي يعف الله عنك، ولا تهلكني، يسلط الله عليك، من يهلكك. فقال لا بد من قتلك
فقال الصياد: يا شيخ العفاريت هل أصنع معك مليح، فتقابلني بالقبيح ولكن لم يكذب المثل حيث قال:
ومن يفعل المعروف مع غير أهله يجازى كما جوزي مجير أم عامر
فلما سمع العفريت كلامه قال لا تطمع فلا بد من موتك ، فقال له بالاسم الأعظم المنقوش على خاتم سليمان أسألك عن شيء وتصدقني فيه، فلما سمع ذكر الاسم الأعظم اضطرب واهتز وقال: سل ما تريد ولكن أوجز، فقال له: كيف كنت في هذا القمقم، والقمقم لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك، فقال له العفريت: أو لا تصدق أنني كنت فيه فقال الصياد لا أصدق أبداً حتى أنظرك فيه بعيني فانتفض العفريت وصار دخاناً صاعداً إلى الجو، ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً قليلا، حتى استكمل الدخان داخل القمقم
فأسرع الصياد وأخذ سدادة الرصاص المختومة وسد بها فم القمقم ونادى العفريت، وقال له: تمن علي أي موتة تموتها
فنظر العفريت للصياد وهم بالخروج فلم يقدر ورأى نفسه محبوساً ورأى عليه طابع خاتم سليمان وعلم أن الصياد سجنه سجن أحقر العفاريت وأقذرها وأصغرها، ثم ذهب الصياد بالقمقم إلى جهة البحر
فقال له العفريت لا، لا ترمينى
فقال الصياد: لا بد لا بد
فلطف المارد كلامه وخضع وقال ما تريد أن تصنع بي يا صياد
قال: ألقيك في البحر إن كنت أقمت فيه ألفاً وثمانمائة عام فأنا أجعلك تمكث إلى أن تقوم الساعة، أما قلت لك أبقيني يبقيك الله ولا تقتلني يقتلك الله فأبيت قولي وما أردت إلا غدري فألقاك الله في يدي فغدرت بك، فقال العفريت افتح لي حتى أحسن إليك
فقال له الصياد تكذب يا ملعون ان مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم رويان
فقال العفريت: وما شأن وزير الملك يونان والحكيم رويان وما قصتهما وهنا بلغت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
يا أختي ما أحلى حديثك وأطيبه وألذه وأعذب فقال الملك: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها وباتوا ليلتها
ثم خرج الملك إلى محل حكمه ودخل عليه الوزير والعسكر واحتكم الديوان فحكم الملك وولى وعزل ونهى وأمر إلى آخر النهار ثم انفض الديوان ودخل الملك شهريار إلى قصره.
